الثلاثاء، 14 مايو 2013

تجار النكبة

خمس وستون سنة يجلس في مكتبه يعد ترتيبات يوم ذكرى النكبة ،طوال هذه السنين لم يتغير شيء بفعاليات هذا اليوم سوى الوجوه المعدة لابتكار وإبداعات تصوير هذا اليوم فقط . ينظر لورقة التقويم لم يبق للنكبة سوى أيام وفي يوم ذكراها سيعود إلى النكبة بصورة أخرى ،ليس كما كان حنظلة وليس كأطفال الحجارة وليس مثل ذاك الملثم بالكوفية الفلسطينية ،بل سيعود وبيده حجر ليلتقط صورة أما الأسلاك الشائكة ووراءه أعمدة المراقبة الصهيونية ترقب أمة بكاملها تنتقم في ذكرى النكبة.
هكذا ابتذل مصطلح النكبة وأصبح مجرد ذكرى نستعيد فيها أعداد المجازر ونخطب بحق شهدائنا ونعود إلى بيوتنا نتناول طعام الغداء ومنا من يخطط لرحلة يقضيها على شواطئ يافا المحتلة ،ومنا من يشاهد نشرة الأخبار وينظر على تدخل أبناء مخيم اليرموك في الخروج عن ممانعة بشار الأسد ، ومنا في هذا اليوم يفرغ حسابه على الفيس بوك لأعلام فلسطين والهجرة وصور المخيمات يحسب نفسه يسدد دينه لفلسطين ومن ثم يعود إلى حياته الخالية من عباراته العميقة التي وظفها على حسابه في يوم ذكرى النكبة !! هكذا فعلت بنا فعاليات ذكرى النكبة بعد خمس وستين سنة أبواقا لا تفقه في جرح التشرد والبعد عن ارض الزيتون والبرتقال ولا تعرف أين وصلت البندقية.فلترفعوا مفاتيحكم الحديدية ورددوا الشعارات الجوفاء واستمعوا لخطابات لا قيمة لها وانتظروا فلسطين حتى تعود وحدها .
ألسنا في هذه الذكرى نهزأ بأنفسنا ؟ ألسنا نبرع في عيش مأساة ذكرى النكبة أكثر من إدراك ما أحلته بنا النكبة؟! أسئلة تراودني ، هل انتهت النكبة حتى نعيد الذكرى فقط ؟! نأسف على الصمت والذل والخذلان قبل خمس وستين سنة ونحن مثلا كل يوم نشاهد صمتنا وذلنا في مجازر أفظع ومخيمات تشق طريق مخيمات 48 في سوريا !! أظن أننا لسنا بحاجة إلى ذكرى ونحن نعيشها بتفاصيلها كل يوم ، القضية ليست فلسطينية فقط هي قضية احتلال وظلم وانكسار وكرامة تتشرد. نحن مشبعون بالقضايا ولا نحتاج لذكراها فقط بل نحتاج لعدالتها . الحال لم يتغير في نظرتنا اتجاه قضايانا سوى أننا أصبحنا نملك الهواتف النقالة الأكثر تطورا لنصور مأساتنا ونشحذ مشاعر العاطفة من العالم المتكبر على آلامنا .
سأعيد ذكرى النكبة والمهجرين بنكبة أخرى ، نكبة لا تنفصل عن الأولى ، النكبة المسماة دولة فلسطين التي سرقت أحلام المهجرين في العودة وأصبحت كصفير مزعج يرمينا في البحر بدلا من رمي اليهود !! أفكر إذا عاد ذلك الذي حضن البندقة ومات بها على أمل ان نكمل المشوار وتعود عائلته إلى بيته لتعمره من جديد ، ماذا سيرى؟ بالتأكيد سيرى الرفات يخرج يخرج بحق أراضينا وأموات يسيرون على أنقاضهم. ويرى حاميها حراميها بسياراته الفارهة يحذر بكلماته الحادة الرصاصية من بناء مستوطنات جديدة وانتفاضة أيضا وربما قريبا من نكبة.
وأخيرا من الصعب أن نشعر بالاحتلال وبفلسطين في أيام معدودة في السنة مثل ذكرى مجزرة أو نكسة أو شهيد أو اسير ، لنكبر قليلا بقضيتنا ولا نجعلها عرضة للاستغلال والمتاجرة ، كفانا!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق