الاثنين، 23 يونيو 2014

سقف غرفتي

كانت متعتي الحقيقية في ساعة من ساعات يومي عندما تصدح فيروز في اصداء غرفتي ، الجمال الذي يضفيه صوت جميل ومؤثر وموسيقى آسرة لا يمكن أن يترجم إلى كلمات ، لأن تلك الموسيقى مترجمة إلى مشاعر تتسلل إلى أعماقنا ، تحركنا من الداخل فأشعر بها تخرج من قلبي إلى عيني تشع و تعبر عن سعادة كسعادة طفل تحت المطر لأول مرة ، تشق تلك الموسيقى طريقها لأجدني مبتسمة على غير دراية بحواسي المسلوبة ، أشعر بأن قلبي نفسه يتسع ويتمدد يستقبل كل خيال برحابته من جراء الموسيقى ..لا علينا من الحالة الشعورية في أمتع لحظاتي الحقيقية ..عندما ارفع عيني إلى سقف غرفتي وأفكر ثم أفكر يا لجمال لحظات الخصوصية مع فيروز وسقف غرفتي!!

 وابدأ مع نفسي حديثا مطولا واتلفت كثيرا لما حولي واتفلسف بكل صراحة ، فهاهو سقف الغرفة نتأمل بعضنا وهو مليء بالتشققات فلم تدم عليه تلك التصليحات ، مهما أصلحناه ورممناه سيظل كما هو يأبى التجديد ، حالة السقف الحزينة جعلتني أتخيله عندما لم يكن في عام 1967 عندما عاد جدي وقد بنى هذا البيت بيديه وبعرقه وسعادته بالرجوع ، لم يتقنه كثيرا !هذا ما جاد عليه فقره، هذه الغرفة التي أنا فيها سكنوها أجيال وعائلات، شهدت فرحهم وترحهم ونكدهم ونقاشاتهم، وأخيرا رحلوا عنها تاركين ذكراهم وماضيهم، منهم من بقي إلى الآن لكنه بعيد جدا جدا.

ماذا بعد أيها السقف ؟ماذا تخبئ في ذاكرتك غير عيني الساهرتين لمراقبة شيخوختك؟! هيا هل تريد أن تظل على حالك قديماً ومتهالكاً ، قل لماذا؟! هل يئست أم مللت أم تريد الموت وكفى؟! لن اتركك سأظل معك لن أغادر هذه الغرفة إلى الأبد مهما حصل سأبقى ساكنتك المخلصة الوحيدة ،سآخذك معي ،سنموت معا ، حتى لا تُرهق أكثر وتجن ،ولتستريح . أنا أعلم أثقلتك السنين ، سنظل معا لا تخف لست وحدك .

أتذكر جدي في حيائه وصمته؟! أتذكر مرضه ووقار أوجاعه؟! أتذكر جدتي ورفضها لاستكانة جدي وطيبته؟! أتذكر عماتي الشقيات الحالمات ؟! أتذكر أعمامي ومن ثم زوجاتهم ومن ثم اولادهم كلهم استغرقوا معك في كثير من الليالي ولكنهم رحلوا جميعهم ، هل فقدت قلقهم؟! لا بأس عليك ، لا أحد يستحق وانت لا تستحق الفناء ..ستبقى معي لأنني لن أغادرك. ولا تسقط علي رجاء .

نحن نتحاور ونكون صداقة لن تذبل أتعلم لماذا ؟ لأنك صموت وأنا ثرثارة ! انت لست سعيداً بذلك ! ومنذ متى كنت سعيدا؟! لا تعرف السعادة لأنك لا تشهد إلا عيوناً باكية وأحلاماً مترفة لا تستطيع حملها . السعادة! تذكرني بعمتي الكبيرة ،الذين في عمرها أي مواليد 1946 لا يعرفون طعم الفرح إلا قليلا ، لأنه لم يعاشرهم كثيرا ، وهي في العاشرة حملت اخوها بين يديها خائفة وقلقة تركض به في الشوارع الطويلة التي تعاندها ولا تريد أن تنتهي ، وهي تسمع أنينه ودلعه لأنه قد سقط في المزرعة التي يشتغل فيها أهلها، من ذلك الوقت وهي تعلم أنها أصبحت أكبر بكثير من عشرة سنوات ، علمت انها لم تعش ولن تعيش طفولة حقيقية لذلك إلى اليوم لا تذكر سوى النكسات ولا تعرف غيرهن ، وتجد الهموم من الشوارع كي تستمر بها الحياة! إنها تستحق الحياة أكثر منا يا سقفي العزيز ! لأنها تعيش مع تفاصيل اشيائها ، تحب الورد ، تحب العربية وتحب الفن والتطريز والرسم وتتقن كل شيء وتحب الشيف رمزي وتطبق وصفاته ،واخيرا تحب مسلسلات الام بي سي وتتابعها بشغف نعم احيانا تنام وهي بقمة تركيزها في مسلسلها المفضل على أية حال هي ليست صغيرة سواء بعمرها الحقيقي أو الآخر .

 يااا ام كلثوم تطربنا سأحلم  وسأراك  الطبيعة التي اقرأ عنها ليست تلك الأرض التي أقف في وسطها لأسمع صوتها ولا اسمع إلا صوت الذباب والنحل ! وسأتخيلك أيضا السماء الزرقاء ونسمات الربيع ورائحة التراب والياسمين ، لن تظل قبالتي كعجوز متهالك ما دمت أملك مخيلتي وداعا يا صديقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق