الثلاثاء، 12 مارس 2013

المجتمع الفيسبوكي

عندما دخلت الفيسبوك أول مرة ونظرت ببلاهة لذلك المربع الذي أمامي ، حائرة !، ماذا قد يُكتب في داخله، وعن ماذا سنكتب ، ولمن سنكتب ، ومن يفهم المقصود!! . بدأت بسم الله وهلَت الترحيبات  ، اتبعتها ببيت شعر ، من ثم بأشياء تضحكني ، وأشياء تلفت نظرنا لتغضبنا، وجدت صديقاتي في الإبتدائي والإعدادي اللاتي لو وجدتهن في الطريق لا أعرفهن، أعدنا العهد من جديد، وتعرفت على فتيات لم أعرفهن من قبل وقابلتهن على أرض الواقع وتفاجئت من الحضور الجاف ، ظننت الفيس بوك يخدعنا وصدقت في ذلك، فيكون التواصل والدردشة والمشاركة عليه أجمل من المقابلة وجها لوجه ، لا أدري ما السر في ذلك فقد تكون كبسة لايك منهن أكثر عاطفية وقربا من السلام وجها لوجه!!! ، ومع هذا أصبح الفيس بوك أجمل بمشاركة أصدقائنا للحظات جميلة في حياتنا ، كحفلة عيد ميلاد ، أو جمعة للصديقات في الجامعة ، أو كتابة حروفنا وهكذا !! وانتشر الفيس بوك كمرض فايروس معدي ، من أمي لمديرتي لابنتها لجارتنا التي ناهزت الستين لابن خالي البالغ 10 سنوات كلهم أصبحوا اصدقائي على الفيس بوك!! واعترف أن الفيس بوك كان بالنسبة لي تجمع للصديقات مثلما كانت المدرسة فأنا سجلت فيه بعد الانتهاء مباشرة من الثانوية العامة وهكذا أصبحنا نجتمع لنتحدث ونضحك ونحزن وكلنا نحمل مشاعر الصداقة والحب لبعضنا ونعلق على أشيائنا وخصوصياتنا بمنتهى الصدق والأمانة ، وعند المذمة نذم وعند المدح نمدح هكذا كان الفيس بوك في أول مرة . ساحة اجتماعية أو صفحة بيضاء نخربشها كيفما نشاء ، لأننا جيل واحد ، قد نحسن الظن في بعضنا أو نسيء واخيرًا أصدقاء لدينا أشياء مشتركة!
وبعد ذلك خرجت لنا أبراج المراقبة ولا أقصد الاستهزاء بأي أحد لكن كثرت الشكاوي من صورتي الشخصية مثلا ؟ فهي لا تعجب أمي وتنصحني باستبدالها في وردة أو منظر طبيعي !! أو أكتب جملة ويُساء فهمها كأنني أقصد شخص معين ويأتي لمراجعتي وهكذا كثرت الظنون والأشخاص الفضوليين زيادة عن اللازم ، أو أحيانا يأتي ابن خالتي ذو الحادية عشر سنة يكتب لي "بتقولك أمي ...قبل التعليق المراد " !! أو تأتي جارتنا الكبيرة تفهم من جملة أو نكتة موضوع جدي للنقاش!! كيف أفهمها أنها جملة ساخرة ؟! وهكذا أصبحت تكبر مشكلة الخصوصية على الفيس بوك حتى صرنا نضيف الكثير بدعوى الخجل ، لدي معلماتي في الثانوية صديقات ، مع أنني بحاجة انا وصديقاتي لنتذكر أيام الثانوية !! وقد نعلق عليهن؟! لكن كثرت القيود من حولنا والتعليق له مائة حساب، لذلك التزمت الصمت على الفيس بوك وبت أراقبه أكثر من مشاركاتي ، قد أكتب أشياء يسيئون فهمها . وفي مراقبتي وجدت التطور والحضارة التي تحضرناها عن طريق الفيس بوك ، في الفيس بوك هناك مسميات بطولية ومثيرة للإعجاب وأحيانا وهمية ، فيه تباع كلمة ناشط سياسي وصحفي وكاتب وشاعر أو مصور بما أنه يمتلك كاميرا ويصور أطفال حارته، وقد تكون كاتبة عندما تكتب قصة فيلم فاتن حمامة بشكل أدبي مع تغييرات بسيطة !!وعجبي من أصحاب تلك الألقاب يفتحون لأنفسهم صفحات بأسمائهم ، كأنهم يفرضون أنفسهم وشهرتهم وألقابهم على الناس قبل أن يتذوق الناس فنهم أو يختارونهم!!  نعم كل شيء عجيب قد تراه على تلك الساحة ، وأحيانا تكون مشاعة أكثر من حارة شعبية ، فتخرج فتاة تقول"في نحلة مضايقتني" أو الأكثر سخافة "صورتلكم طبيخنا ملوخية" أو صور وتعليق"هاد اخوي" طيب خير؟! والأكثر مسخرة فتاة تضع صورة المواعين التي غسلتها لتقول لنا أنها قامت بعملية غسل الصحون والطناجر والكاسات واشياء أخرى ، تخيلوا!! واحزروا أيضا رأيت اختين يتخاصمان ويشتمان بعضهما البعض على صفحتهن على الفيس بوك ، والله إنها ليست مزحة!!؟
المشكلة الكبرى في الفيس بوك ، المشاعر التي لا نشعر بها إلا عندما تُكتب على صفحاتنا الشخصية، نرى الفتاة أو الشاب يكتب عن والده أجمل العبارات عن شيبه أو كدحه وقد تجده نفسه لا يرحمه في طلب المصروف؟! فتاة تتغزل في أمها حتى يرى العالم مدى العلاقة القوية بينها وبين أمها يا اختي لم لا تترجمي مشاعرك الفيسبوكية إلى واقع وتوجهي هذا الكلام لسيدتك مباشرة من دون أن يشكرك العالم على مشاعرك الجميلة اتجاه والدتك؟!
ويوم الجمعة ومن يدري كيف يكون يوم الجمعة على الفيس بوك !! دعوات لقراءة سورة الكهف وأدعية وموعظة وأحاديث وآيات ، أرجوكم افهموا عباداتنا لا تتم على الفيس بوك ! نحن بحاجة لنفهم الفرق بين الحياة والفيس بوك ، واجباتنا في الحياة وعلاقتها مع هذا الموقع ، هذا درس لنتعلمه ونفهم جيدا أن الفيس بوك قد يكون لطبع ذكرى جميلة بين الأصدقاء أو تعبيرًا عن مواقفنا في شتى نزاعاتنا مع الحياة أو دعوة صالحة في كل يوم ولا نجعلها مخصصة لرمضان أو يوم الجمعة من أجل إخلاصنا مع الله ليس أكثر. يا قوم الفيس بوك جزء صغير جدًا من حياتنا نتواصل به لنرتقي ليس من أجل المظاهر وتنصيب أنفسنا في جمل مثالية !! وهو أيضًا ليس محل خصومات اجتماعية   فأصبحت حياتنا مسرحية نعيشها على الفيس بوك وما أخطر هذا المرض في حياتنا قد ننسى أيامنا وذكرياتنا ونتجاهلها لنبتذلها بكلمات لمن نعنيهم حتى يقرأها العالم ويعلم صلتنا معا :)
وأكثر ما يغضب على الفيس بوك علاقات المتزوجين والخاطبين ، أصبحنا نراقب مدى حبهم لبعضهم بما يكتبونه على صفحاتهم ، وتطورت لتثير غيرة عدة فتيات، فأعلم عن فتاة طلبت من خطيبها أن يكتب لها عبارات الحب والأغنيات على صفحتها لتشاهدها صديقاتها فرفض ، وبكل سهولة قامت بإنشاء حساب باسم خطيبها ولتكون مسؤولة عنه وهو لا يدري عنه وتضيف ما يحلو لها لنفسها على حسابها؟! تخيلوا مرض الغيرة إلى أين ذهب بها. أظن أن المشكلة تكمن في نقص بداخلهم أن الفرحة لا تكتمل والحب لا يزدهر إلا إذا  قرأ العالم ما يكتب لها خطيبها أو زوجها ، ولا يهم ماذا يأخذ من كلامه في تعامله معها ، المهم أن يعلم العالم كيف أنا في سعادة ولكنها سعادة .. وهمية ، زائفة .لأنها أصبحت لأجل الناس وإثارة غيرتهم أو اعجابهم !!   ليتهم يعلمون أن جمال الحب في سره عندما يحدثها وحدها ولا يتخلل حبه  حب الظهور أو الغرور في تعامله مع من يحب ، كيف كانوا يخبئون رسائلهم فلتخبئوا مشاعركم حتى تكتسب صدقها ورونقها. يا عزيزتي تستطيعين كتابة صباح الخير وكلمات من الغزل في مسج صغير لخطيبك أو حتى تسمعيه بصوتك أو حتى تكتبيها بخط يدك ، ستكون جمل وأرقى أكثر ، أكثر من أن تأتي اخت صديقة بنت عمتك  تكتبلك" الله يخليكم لبعض" وقد تغلفها بغيرة وحسد !!
لا شك للفيس بوك ايجابيات كثيرة فأنا أعلم بكسر يد ابن خالي قبل أمي ! وتواصلت مع أصدقاء لم أكن اتصور أنني سأقابلهم يوما ! وجميلا عندما نعرض استشاراتنا وتساؤلاتنا لمختصين استطعنا التواصل معهم مباشرة، ولا شك أنه له فائدة كبيرة في الثورة والغضب والرثاء ، لكنه يظل سلاح ذو حدين ، لأنه موجع حينما نعبر عن وطنيتنا وإخلاصنا لوطننا أو غضبنا على انتهاك أعراضنا بجملة وعدة لايكات وكأننا برأنا أنفسنا أو أعطينا الوطن والدين حقه بصفحة أو كلمات ، أو أنه أصبح وسيلة للشهرة على حساب ثوراتنا وشهدائنا ، احسنوا استغلال الفيس بوك ليكون ثمره أجر وفائدة .
الفيس بوك يمثل شخصيتك وواقعك وموقعك الشخصي فأحسن استخدامه لأنه يعكس صورتك باختصار كن على حقيقتك لا تمثل ولا تزيف ، اجد الكثير تختلف شخصياتهم، لم ؟ هي حياة واحدة فلنعشها بقناع واحد . يالله كم تستفزني تلك الشخصية على أرض الواقع وهي خجولة هادئة بسيطة وعلى الفيس بوك عكس ذلك تمامًا، أين وقارك؟
لا أحد يحب أن يفرض على غيره كيف يكون على الفيس بوك لكن هذه مجرد نماذج رأيتها اثناء مراقبتي ،تجعلنا نستخف بأهمية هذا الموقع ، وها أنا هذه النماذج لنحاول بناء صفحاتنا الشخصية برقي أكثر .
صدقا اشتاق للفيس بوك وعليه أصدقائي المحدودين الذين ارتاح معهم ويرتاحون معي ولدينا مواضيع مشتركة فلا داعي لوحود زوج خالتي أو تلك الصديقة التي لم أكلمها من سنوات ولن أكلمها يومًا ، سأعيد ترتيب أصدقائي ولا يهم الكثرة ، سأبقي على الذين اتفاعل معهم ويتفاعلون معي وبهم ارتقي واستفيد .سأكتب يوما مشكلتي على الفيس بوك وسترد صديقاتي من دون مجاملة وستقول لي صديقاتي أنني تافهة وأرد عليها لست أتفه منك ونضحك سويا من دون أي تعليق دخيل يحرجنا :) سأضع صورة لفتاة تضح مكياج يعجبني أو فستان يعجبني من دون أن تأتي واحدة لا أراها إلا في الاعياد لتقول لي أنتي أجمل بل سأنتظر صديقتي تقول لي  الصورة ليست جميلة.. ومواقف أخرى تترك أثرًا في نفوسنا بصدق تآلفنا ومدى اشتياقنا لمراحل من حياتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق