الأربعاء، 30 يناير 2013

طالبة كسولة (1)


أطل عليكم في هذه التدوينة بعد فترة الامتحانات الجامعية التي دامت قرابة الشهر بسبب التأجيل المتكرر، وأصابني من القلق ما جعلني في حالة عدم الاستيعاب ، وكالعادة أمر في مشكلة محددة هي محدودية كمية المعلومات التي حفظتها أثناء دراستي ، ففي اليوم الواحد قد لا أتجاوز صفحتين، ومرة في ساعة أتجاوز العديد من الصفحات ، وهذا كله يعتمد على المزاج والنشاط والهدف ، الهدف مهم جدًا في تقويم دراستنا ، الأهم من هذا (التصميم على الهدف )، أنا أريد التفوق فأبذل الجهد حتى أعتبر علامة الثمانين مثل الرسوب عند الطالب ذات المستوى المتوسط ، إذن الهدف من الدراسة يرتبط في النجاح والتفوق ، وهذا ما كان حجر العثرة أمامي.


تحديد الهدف يختلف من كل شخصية لأخرى وحسب طموحاتها ، بالنسبة لشخصيتي فمصطلحات الجامعة ،التخرج ، الشهادة . لا تعني  لي شيئًا سوى رضا والدين . ما يعنيني في الحياة وما أطلبه منها من طموح هو الحياة بكل أشرعتها المفتوحة لي ، طموحي فيما أهوى، وليس فيما يهوى ويريد المجتمع، القالب الذي نضع أنفسنا داخله هو اللقب، الأستاذ ،الدكتور ،المهندس . وقد لا يأخذ من شخصيتنا في شيء . إذن أنا أبلور هدفي في الحياة بما أحبه وما أطمح له . لذا أفكر كثيرا بأنني أضيع سنين عمري في ما يسمى الامتحانات ، أيامي تتوقف عن الحياة ، الحبس في غرفتي والكتاب أمامي تقليب صفحاته بملل حفظ معلومات عن ظهر قلب بغض النظر عن استمتاعي بالقراءة وما أرى هذا إلا تضييع لساعات كانت لتكون ثمينة لولا هم الدراسة ،والمؤسف أن تلك الساعات تطير كالهواء بعد الامتحانات فما الذي أخذته من تسخيري لنفسي وخشوعي في كتابي وتوقفي عن ممارسة ما أعتدت ممارسته في حياتي اليومية.


إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة ، ليس كل ما نتمنى نستطيع أن نعيشه ، التضحية والحرية والحدود هي ما مسميات تحدنا من كل جانب ، أنا أضحي في رغباتي لأجل الدراسة ، وأحد حريتي من كل جانب لأجل هدف أهلي من دراستي في الجامعة، فأمي تريد الاحتفال بي وأبي يرى النجاح في شهادة يعلقها على الجدار في غرفة الضيوف أو قد أنجح في وظيفة ودخل مادي وهكذا قد يؤمن على مستقبلي كفتاة. وأنا أريد التعايش مع كل تلك الضغوطات لأتجاوز سنة التخرج وأفكر في نفسي وراحتي قليلًا ، الذي استغربه المجتمع الذي يرمي جميع المصائب على كاهل الشباب وهو السبب في مصائبه وطريقه ،فهم وضعوا مفهوم العالم هو الدارس للجامعة بغض النظر عن عقله أو فهمه أو هوايته أو موهبته أو آماله، فبطاقة الجامعة مثل الترخيص في معرفة كل شيء تعطيه شخصية جاهزة ليلبسها. حدث لي موقف طريف أن قريبتي طلبت مني الاتصال على شركة الاتصالات والسؤال عن هاتفها المعطل ، وصدقًا لا أفهم مشكلتها مع هاتفها ولا أعرف ماذا أقول أو كيف أحاور موظف الاتصال ، فقلت لها لا استطيع ،لا أعرف تدبر الأمر ، ضحكت وقالت أنتِ بنت جامعة ، نعم انا بنت جامعة علي أن أرتدي الثوب الذي فصلته لي وفصله لي المجتمع ، أن أكون الآلة التي يريدها في كل شيء يرغبه. أحببت رواية الخيميائي لما وجده ذلك الشاب من الحرية والخروج عن كل قيد فقط السعي في المجهول عن طريق الرعي ، وقتها فكرت جديا في مهنة الراعي !! ، في أي شيء يجعلك تسرح في فضاء الكون الواسع . ولأجل حريتي قررت لها القرار المناسب ، سأعيش كيفما أريد ، وسأعطي للمجتمع حقه في شهادتي الجامعية.


لذلك وضعت لنفسي خطة للتعامل مع أزمة الامتحانات والعلامات ، سأدرس بما تتقبله طاقتي وسأبذل ما وسعي لاستيعاب المادة الدراسية التي أتجول داخلها كسائحة. فأيام الامتحانات جعلتها تمتزج مع أحلامي واهتماماتي لأشعر بأنني على قيد الحياة . في يوميات امتحاناتي لا أسهر ولا أستيقظ باكرًا كي أدرس إلا نادرًا بعد صلاة الفجر بساعتين ،لأن وقتها يكون الإنسان في قمة نشاطه، لا أنقطع عن اهتمامي في القراءة سواء لكتب عامة أو لروايات ، أحيانا أشاهد فيلم على الانترنت ، لا أنقطع عن جلسات العائلة ، وأحضر الشاي لعائلتي ولا أعتمد على الطعام الذي يأتيني لغرفتي . لا يمكنني تفويت جلساتنا العائلية وضحكاتنا معًا هذا واجبي الاجتماعي لكي أكمل يومي باستمتاع فلماذا أفوته من أجل صفحة قد لا أفهم منها شيئا !! . وإن أجبرت نفسي على الدراسة ، أغيب عنها لدقائق للتفكير في المستقبل وحاضري. لذلك لا أجلس للدراسة إلا بعد أن أنهي الحلم في مستقبلي . أكره فكرة أن الامتحانات توقف سير الحياة الطبيعي . وتخنقنا حتى تجعلنا نخرج من الامتحانات كأننا نخرج من الكهوف. ويوم تقديم الامتحان أحبذ الذهاب متأخرة حتى لا أقابل أي أحد من زملائي وأرى على وجوههم علامات الخوف والقلق والاحباط ،ولا أرى أحدًا يحفظ الكتاب قبل دقائق من الامتحان!! أدخل إلى قاعتي وأجلس وكأن كل دراستي للمادة تذهب بعيدًا لا أجعل لها فرصة للمراجعة داخل عقلي ، فهذه الدقائق محظور التفكير بها في الامتحان ، ومن ثم يبدأ امتحاني وعندما أنتهي أكثر ما يلفت انتباهي الطلاب من حولي لا أحد يتوقف عن الكتابة وأنا أعلم جيدًا أن الامتحان لا يستغرق كل هذا الوقت ، بربكم ماذا يجري ؟ ماذا تكتبون ؟ لم كل هذا الوقت ؟ كانت هذه الظاهرة تربكني ومن بعدها أصبحت مثيرة للسخرية والضحك فبعضهم عادته أن لا يتوقف عن الكتابة حتى انتهاء الوقت ، وهذا ليس عيبا ما دمت أمشي على الطريق بسلام.أخرج من الامتحان مسرعة إلى المنزل ولا أقف مع زملائي للمراجعة لسبب وهو أنني خرجت على ثقة بما كتبته أنه جيدًا وقد حاولت أن أبلي بلاء حسنا ، فلِمَ أتألم على خسارة بعض العلامات وأنا لا أستطيع الرجوع لتبديل إجاباتي.


تتلخص فكرتي أنني أدرس لكي انجح وآتِ بعلامة جيدة دون أن أؤثر على حياتي بشكل عام . حتى لا أتعجب من نفسي بعد سنين على هدر وقتي في امتحانات ونسيان نفسي واهتمامي بأهدافي وتحقيقها ، جد لنفسك حلم وأسعى له ولا تجعل الجامعة مانعًا لتحقيق طموحك في أي مجال كان


فترة الجامعة تحتل أجمل سنين عمر الإنسان يكون في قمة شبابه يحتاج لينضج تفكيره وينمو ليتجه نجو طريق معين ، أن يقبع حبيسا للدراسة التي لا يرى بها فائدة سوى رضا مجتمعه وأهله ،بهذا يعاقب نفسه وحريته ، الامتحانات هي للعبور إلى ما تسعى له جاهدا فلا تُهمل أحلامك من أجل الطريق حتى لا تنساها وأنت تخوض في صعوبات الطريق.


إنني أدرس اللغة العربية وأساليب تدريسها ، أحلم يومًا أن أصبح كاتبة ، دخلت قسم اللغة العربية لتكن لي معينًا في حلمي ، وأحاول أن أستفيد منها قدر الإمكان ، أخذت مادة علم البلاغة، ممتعة للغاية واستمتعت في دراستها أكثر من كوني أدرس للامتحان ، وخرجت من المادة بفائدة عظيمة ووجدت في مختاراتها فائدة أعظم ، ولكن في الامتحان نظرت حائرة بين الأسئلة لا أجد جوابا مناسبا وهي بين أسئلة نظرية وتطبيقية على البلاغة في عدة مختارات قرآنية وشعرية ونثرية ، إلا أنني لم استطع أن أوفي بإجاباتي وأنا محتارة لذلك ، وأدركت أخيرًا أن هذه قدرتي التي عودت نفسي عليها منذ صغري ، ولم أنميها ،اكتفيت بها!! . بعد انتهائي من الامتحان ، لم أشعر بأي سوء أو في تأنيب الضمير بل على العكس ابتسمت وغمرني شعور الرضا بالنفس ، أنا استفدت من البلاغة أكثر مما أتصور ،استطيع توظيفها في كتاباتي ، واستطيع من خلالها تذوق الشعر والنثر، إذن لتذهب علامة الامتحان إلى الجحيم ، المهم أنني أخذت ما أريده من دراستي لكي أتقدم نحو حلمي ، واستمتعت بدراستي ولم تكن همًا على الإطلاق.وكانت نتيجتي 73 التي قابلتها أمي بتجهم ، وحاول والدي الاقتناع بها. وأنا جعلت هذه المادة الأساس في بحر علم البلاغة ومنها الانطلاق إلى فهم بلاغة الشعر والنثر ويكفيني أن ما تعلمته سيرافقني إلى ما بعد الامتحان وسأعتمد عليه في دراساتي اللاحقة.


هذا ما أطبقه على بقية المواد في الجامعة لكي أتخرج من جامعتي وأنا بكامل صحتي وعافيتي وبنفسية مرتاحة ، سأتخرج ومعي أصدقاء عشت معهم أجمل فترة حياتي ، وأظهرت جانب شخصيتي السخيف حتى لا أفقده على كبر مع واجباتي اللاحقة ، ونقشت عدة ذكريات في كل زاوية من زوايا جامعتي ، وطنشت محاضرات لأجل شرب كابتشينو برفقة الأصدقاء ، ولم أخسر شيئا إلا اسمي على لوحة المتفوقين ، وصدقًا لا أسعى له بقدر سعيي نحو حلمي . 

في جامعتي أيضا مواد تربوية إلزامية ، ولا أستسيغها ولا أفلح فيها أطلاقا ولكنني على الأقل أنجح بها ، تأثيرها فقط على معدلي التراكمي وأحاول أن أتجاوزها ولا أعتني بها جيدًا ، لأنه يكفيني التطبيق العملي لها ، مواد تشرح لنا كيفية الوقوف في الصف والتدريس والتعامل مع الطلبة وهذا يعتمد على الذات والشخصية ومدى التقبل للرسالة التعليمية وحب التأثير في الطلاب والمساهمة في إنشاء جيل لا يعيش نفس تجربتك المريرة في المدرسة . 

وأخيرًا : حدد هدفك في الحياة وموقفك من الجامعة كي تحبها أو تحاول أن تحبها، أو أنها مجرد مهمة عليك إنجازها، حدد كيفية دراستك للمواد الجامعية وكيفية الاستمتاع بقراءتها، أو كيفية النجاح فيها على الأقل ، تجاوز همومك من أجل العلامات ، لا يهم سوى نفسيتك وتجاوزك للامتحان بسهولة، لا تنظر للنصف الفارغ من الكأس.وأخيرا ابحث عن أسطورتك الشخصية.

الدراسة والفكر جزء لا يتجزأ ، لا شك أنه من الضروري الدراسة حتى تنمي فكرك في المجال الذي تحبه وتطمح له ولا ترجح كفة التعليم على فكرك وطموحك، فالدراسة تظل جواز سفر للمستقبل مثلما قال مالكوم أكس.
و قبل الدراسة وهم الامتحانات ، لنتعلم كيف نحقق طموحنا وما نريده من الدراسة ، كيف نسعد في حياتنا ولا نجعل من الامتحانات والعلامات مقتًا وحزنًا ، لنتعلم الصبر والإصرار.

بالطبع هذه التدوينة محظورة للآباء والأمهات ، لأنهم يرون في الجامعة النجاح والثروة والاستقرار !! وقد لا تروقهم، مثل أمي التي رأتها نهفة ت.

هناك تعليقان (2):

  1. تدوينة رائعة جداً وممتعة ومتميزة بحق :)
    لي فترة كبيرة لم اقرأ تدوينة بروعة وجمال هذه التدوينة ..
    كل الأفكار فيها متميزة .. وصف دقيق للحالة التي تغلب على العديد من طلاب الجامعات , ماذا تفيد الجامعة في الحياة سوى أنها مجرد ممر لاتخاذ لقب تواجه به المجتمع !

    أحييكِ جداً .. شُكراً لكِ على هذا الإبداع كُله :)

    تحياتي
    المقداد

    ردحذف
  2. صدقت الدراسة ضرورية إنما لا يجوز أن تطمس شخصيتنا و أهواءنا الخاصه بالعكس الدراسة وجدت لتنمي من قدراتنا الفكرية و المعرفية لطالما آمنت أن الإنسان ولد ليعيش مرة واحدة لذلك من واجبه أن يعيش هذه الحياة كما يريدها هو لا كما يريدها الآخرون و يفعل ما لهذا عليه أن يدرس ما يحب و ما يفيده لا ما يعجب الناس و يرضيهم ... لن أبالغ ان قلت انك جوهره عزيزتي كلماتك فائقة الروعه
    "الله يسلم ايديكي"

    ردحذف